کد مطلب:211413 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:162

کتاب التوحید روایة المفضل بن عمر (مجلس 01)
روی محمد بن سنان قال حدثنی المفضل بن عمر قال كنت ذات یوم بعد العصر جالسا فی الروضة بین القبر والمنبر، و انا مفكر فیما خص الله تعالی به سیدنا محمدا صلی الله تعالی علیه و علی آله من الشرف والفضائل و ما منحه و اعطاه و شرفه و حباه، مما لا یعرفه الجمهور من الامة، و ما جهلوه من فضله و عظیم منزلته و خطیر مرتبته، فانی لكذلك اذا قبل ابن أبی العوجاء فجلس بحیث اسمع كلامه فلما استقر به المجلس اذ رجل من اصحابه قد جاء فجلس الیه فتكلم ابن ابی العوجاء فقال: لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله، و حاز الشرف بجمیع خصاله، و نال الحظوة فی كل احواله، فقال له صاحبه: أنه كان فیلسوفا ادعی المرتبة العظمی، و المنزلة الكبری، و اتی علی ذلك بمعجزات بهرت العقول وضلت فیها الاحلام وغاصت الالباب علی طلب علمها فی بحار الفكر فرجعت خاسئات و هی حسر، فلما استجاب لدعوته العقلاء و الفصحاء و الخطباء، دخل الناس فی دینه افواجا، فقرن اسمه باسم ناموسه فصار یهتف به علی رؤوس الصوامع، فی جمیع البلدان و المواضع، التی انتهت الیها دعوته، و علتها كلمته و ظهرت فیها حجة برا و بحرا و سهلا و جبلا فی كل یوم و لیلة خمس مرات مرددا فی الاذان، و الاقامة لیتجدد فی كل ساعة ذكره، و لئلا یخمل امره.

فقال ابن ابی العوجاء. دع ذكر محمد صلی الله علیه و آله فقد تحیر فیه عقلی، وضل فی امره فكری. و حدثنا فی ذكر الاصل الذی نمشی له، ثم ذكر ابتداء الاشیاء و زعم ان ذلك باهمال لاصنعة فیه و لا تقدیر و لا صانع و لا مدبر، بل الاشیاء تتكون من ذاتها بلا مدبر و علی هذا كانت الدنیا لم تزل و لا تزال.

قال المفضل: فلم املك نفسی غضبا و غیضا و حنقا فقلت یا عدوالله: الحدت فی دین الله و أنكرت الباری جل قدسه الذی خلقك فی أحسن تقویم، و صورك فی أتم صورة، و نقلك فی احوالك حتی بلغ الی حیث انتهیت. فلو تفكرت فی نفسك وصدق حسك، لوجدت دلائل الربوبیة و آثار الصنعة فیك قائمة، و شواهده جل و تقدس فی خلقك واضحة



[ صفحه 258]



و براهینه لك لائحه فقال یا هذا: ان كنت من أهل الكلام كلمناك فان ثبت لك حجة تبعناك، و ان لم تكن منهم فلا كلام لك و ان كنت من اصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا و لا بمثل دلیلك تجادل فینا، و لقد سمع من كلامنا اكثر مما سمعت فما افحش فی خطابنا و لا تعدی فی جوابنا و انه للحلیم الرزین، العاقل الرصین، للا یعتریه خرق و لاطیش. و لا نزق، یسمع كلامنا، و یصغی الینا، و یتعرف حجتنا، حتی اذا استفرغنا ما عندنا، و ظنننا انا قطعناه دحض حجتنا بكلام یسیر و خطاب قصیر یلزمنا به الحجة و یقطع لاعذر و لا نستطیع لجوابه ردا، فان كنت من اصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.

قال: المفضل فخرجت من المسجد محزونا مفكرا فیمابلی به الاسلام و اهله من كفر هذه العصابة و تعطیلها، فدخلت علی مولای علیه السلام فرآنی منكسرا فقال مالك فاخبرته بما سمعت من الدهریین و بما رددت علیهما. فقال یا مفضل لالقین علیك من حكمة الباری جل و علا و تقدس اسمه فی خلق العالم والسباع و البهائم و الطیر و الهوام و كل ذی روح من الانعام والنبات و الشجرة المثمرة و غیر ذات الثمر و الحبوب و البقول المأكول من ذلك و غیر المأكول مایعتبر به المعتبرون و یسكن الی معرفته المؤمنون و یتحیر فیه الملحدون فبكر علی غدا.

قال المفضل فانصرفت من عنده فرحا مسرورا، و طالت علی تلك اللیلة انتظارا لما وعدنی به فلما اصبحت غدوت فاستؤذن لی فدخلت وقمت بین یدیه فامرنی بالجلوس فجلست ثم نهض الی حجرة كان یخلو فیها و نهضت بنهوضه فقال اتبعنی فتبعته فدخل و دخلت خلفه فجلس و جلست بین یدیه فقال یا مفضل كأنی بك وقد طالت علیك هذه اللیلة انتظارا لما وعدتك. فقلت اجل یا مولای. فقال یا مفضل ان الله تعالی كان و لا شی ء قبله و هو باق و لا نهایة له فله الحمد علی ما الهمنا و الشكر علی ما منحنا فقد خصنا من العلوم باعلاها و من المعالی باسناها و اصطفانا علی جمیع الخلق بعلمه و جعلنا مهیمنین علیهم بحكمه. فقلت: یا مولای أتأذن لی ان اكتب ما تشرحه و كنت اعددت معی ما اكتب فیه فقال لی افعل یا مفضل ان الشكاك جهلوا الاسباب و المعانی فی الخلقة و قصرت افهامهم عن تأمل الصواب و الحكمة فیما ذرء الباری جل قدسه هو برء من صنوف خلقه فی البر و البحر و السهل و الوعر فخرجوا بقصر علومهم الی الجحود و بضعف بصائرهم الی التكذیب و العنود، حتی انكروا خلق الاشیاء و ادعوا ان تكونها بالاهمال، لاصنعة فیها و لا تقدیر و لا حكمة من مدبر، و لا



[ صفحه 259]



صانع، تعالی الله عما یصفون، و قاتلهم الله انی یؤفكون، فهم فی ضلالهم و غیهم و تجبرهم بمنزلة عمیان دخلوا دارا قد بنیت اتقن بناء و احسنه و فرشت باحسن الفرش و افخره و اعد فیها ضروب الاطعمة و الاشربة و الملابس و المآرب التی یحتاج الیها و لا یستغنی عنها و وضع كل شی ء من ذلك موضعه علی صواب من التقدیر و حكمة من التدبیر فجعلوا یترددون فیها یمینا و شمالا و یطوفون بیوتها ادبارا و اقبالا محجوبة ابصارهم عنها لا یبصرون بنیة الدار و ما أعد فیها و ربما عثر بعضهم بالشی ء الذی قد وضع موضعه واعد للحاجة الیه و هو جاهل للمعنی فیه و لما اعد و لماذا جعل كذلك فتذمر و تسخط و ذم الدار و بانیها فهذه حال هذا الصنف فی انكارهم ما انكروا من امر الخلقة و ثبات الصنعة فانهم لما عزبت أذهانهم عن معرفة الاسباب و العلل فی الاشیاء صاروا یجولون فی هذا العالم حیاری فلا یفهمون ما هو علیه من اتقان خلقته، و حسن صنعته، و صواب هیأته. و ربما وقف بعضهم علی الشی ء یجهل سببه والارب فیه فیسرع الی ذمه و وصفه بالاحالة والخطأ كالذی اقدمت علیه المنانیة الكفرة وجاهرت به الملحدة المارقة الفجرة و اشباههم من اهل الضلال المعللین انفسهم بالمحال، فیحق علی من انعم الله علیه بمعرفته و هداه لدینه و وفقه لتأمل فی صنعة التدبیر الخلائق و الوقوف علی ما خلقوا له من لطیف التدبیر و صواب التقدیر بالدلالة القائمة الدالة علی صانعها، ان یكثر حمدالله مولاه علی ذلك و یرغب الیه فی الثبات علیه والزیادة منه فانه جل اسمه یقول (لئن شكرتم لازیدنكم و لئن كفرتم ان عذابی لشدید) یا مفضل اول العبر والدلالة علی الباری جل قدسه تهیأة هذا العالم و تألیف اجزائه و نظمها علی ماهی علیه فانك اذا تأملت العالم بفكرك و خبرته بعقلك وجدته كالبیت المبنی المعدفیه جمیع ما یحتاج الیه عباده فالسماء مرفوعة كالسقف، والارض ممدودة كالبساط، والنجوم مضیئة كالمصابیح، و الجواهر مخزونة كالذخائر، و كل شی ء فیها لشأنه معد، و الانسان كالمملك ذلك البیت والمخول جمیع ما فیه و ضروب النبات مهیأة لمآربه، و صنوف الحیوان مصروفة فی مصالحه و منافعه، ففی هذا دلالة واضحة علی ان العالم مخلوق بتقدیر و حكمة و نظام و ملائمة و ان الخالق له واحد و هو الذی ألفه و نظمه بعضا الی بعض جل قدسه و تعالی جده و كرم وجهه و لا اله غیره تعالی عما یقول الجاحدون و جل و عظم عما ینتحه الملحدون نبدأ یا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبربه فاول ذلك ما یدبر به الجنین فی الرحم و هو محجوب فی ظلمات ثلاث. ظلمة البطن و ظلمة الرحم و ظلمة المشیمة، حیث لا حیلة عنده



[ صفحه 260]



فی طلب غذاء و لا دفع و لا استجلاب منفعة و لا دفع مضرة فانه یجزی الیه من دم الحیض ما یغذوه كما یغذو الماء النبات فلا یزال ذلك غذاؤه حتی اذا كمل خلقه و استحكم بدنه و قوی أدیمه علی مباشرة الهواء و بصره علی ملاقاة الضیاء هاج الطلق بامه فازعجه اشد ازعاج و اعنفه حتی یولد فاذا ولد صرف ذلك الدم الذی كان یغذوه من دم امه الی ثدیها و انقلب الطعم و اللون الی ضرب آخر من الغذاء و هو اشد موافقه للمولود من الدم فیوافیه فی وقت حاجته الیه فحین یولد قد تلمظ و حرك شفتیه طلبا للرضاع فهو یجدثدی امه كالاداوتین المعلقتین لحاجته فلا یزال یغتدی باللبن مادام رطب البدن رقیق الامعاء لین الاعضاء، حتی اذا تحرك و احتاج الی غذاء فیه صلاته لیشتد و یقوی بدنه طلعت له الطواحن من الاسنان و الاضراس لیمضغ بها الطعام فیلین علیه و یسهل له اساغته فلا یزال كذلك حتی یدرك، فاذا ادرك و كان ذكر اطلع الشعر فی وجهه فكان ذلك علامة الذكر و عز الرجل الذی یخرج به من حد الصبا و شبه النساء و ان كانت انثی یبقی وجهها نقیا من الشعر لتبقی لها البهجة و النضارة التی تحرك الرجل لما فیه دوام النسل و بقاؤه اعتبر یا مفضل، فیما یدبر به الانسان فی هذه الاحوال المختلفة هل تری مثله یمكن أن یكون بالاهمال؟ افرأیت لولم یجر الیه ذلك الدم و هو فی الرحم الم یكن سیذوی و یجف كما یجف النبات اذا فقد الماء ولولم یزعجه المخاض عند استحكامه الم یكن سیبقی فی الرحم كالمؤود فی الارض؟ و لولم یوافقه اللبن مع ولادته الم یكن سیموت جوعا او یغتذی بغذاء لا یلائمه و لا یصلح علیه بدنه، ولولم تطلع له الاسنان فی وقتها الم یكن سیمتنع علیه مضغ الطعام و اساغته او یقیمه علی الرضاع فلا یشتد بدنه و لا یصلح لعمل ثم كان یشغل امه بنفسه عن تربیة غیره من الاولاد، ولولم یخرج الشعر فی وجهه فی وقته الم یكن سیبقی فی هیأة الصبیان و النساء فلا تری له جلالة و لا وقار.

فقال المفضل فقلت له یا مولای فقد رأیت من یبقی علی حالته و لا ینبت الشعر فی وجهه و ان بلغ الكبر فقال علیه السلام ولك بما قدمت ایدیهم و ان الله لیس بظلام للعبید، فمن هذا الذی یرصده حتی یوافیه بكل شی ء من هذه المآرب الا الذی انشأه بعدان لم یكن ثم توكل له بمصلحته بعد ان كان فان كان الاهمال یأتی بمثل هذا التدبیر فقد یجب ان یكون العمد و التقدیر یأتیان بالخطاء و المحال لانهما ضد الاهمال و هذا فظیع من القول و جهل من قائله لان الاهمال لا یأتی بالصواب و التضاد لا یأتی بالنظام تعالی الله عما یقول الماحدون علوا



[ صفحه 261]



كبیرا و لو كان المولود یولد فهما عاقلا لانكرا العالم عند ولادته و لبقی حیرانا تائه العقل اذا رأی مالم یعرف و ورد علیه مالم یرمثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطیر الی غیر ذلك مما یشاهده ساعة بعد ساعه و یوما بعد یوم و اعتبر ذلك بان من سبی من بلد و هو عاقل یكون كالواله الحیران فلا یسرع الی تعلم الكلام و قبول الادب كما یسرع الذی سبی صغیرا غیر عاقل ثم لو ولد عاقلا كان یجد غضاضة اذا رأی نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجی فی المهدلانه لا یستغنی عن هذا كله لرقة بدنه و رطوبته حین یولد ثم كان لا یوجد له من الحلاوة و الوقع من القلوب ما یوجد للطفل فصار یخرج الی الدنیا غبیا غافلا عما فیه اهله فیلقی الاشیاء بذهن ضعیف و معرفة ناقصة ثم لا یزال یتزید فی المعرفة قلیلا قلیلا و شیئا بعد شیی ء و حالا بعد حال یألف الاشیاء و یتمرن و یستمر علیها فیخرج من حد التأمل لها و الحیرة فیها الی التصرف والاضطراب الی المعاش بعقله و حیلته والی الاعتبار والطاعه و السهو و الغفلة و المعصیة، و فی هذا ایضا وجوه اخر فانه لو كان یولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربیة الاولاد و ما قدر ان یكون للوالدین فی الاشتغال بالولد من المصلحة و ما یوجب التربیة للاباء علی الانبآء من المكافاة بالبر و العطف علیهم عند حاجتهم الی ذلك منهم ثم كان الاولاد لا یألفون اباءهم و لا یألف الاباء ابناءهم لان الاولاد كانوا یستغنون عن تربیة الاباء و حیاطتهم، فیتفرقون عنهم حین یولدون فلا یعرف الرجل اباه و امه، و لا یمتنع من نكاح امه و اخته و ذوات المحارم، منه اذا كان لا یعرفهن و اقل مافی ذلك من القباحة، بل هو اشنع و اعظم و افظع و اقبح و ابشع لو خرج المولود من بطن امه و هو یعقل ان یری منها مالا یحل له و لا یحسن به ان یراه افلا تری كیف اقیم كل شی ء من الخلقة علی غایة الصواب، و خلا من الخطأ دقیقه و جلیله.

اعرف یا مفضل ما للاطفال فی البكاء من المنفعة و اعلم ان فی ادمغة الاطفال رطوبة ان بقیت فیها احدثت علیهم احداثا جلیلة و عللا عظیمة من ذهاب البصر و غیره و البكاء یسیل تلك الرطوبة من رؤوسهم فیعقبهم ذلك الصحة فی ابدانهم و السلامة فی ابصارهم. افلیس قد جازان یكون الطفل ینتفع بالبكاء و والده لا یعرفان ذلك فهما دائبان لیسكتانه و یتوخیان فی الامور مرضاته لئلا یبكی، و هما لا یعلمان ان البكاء اصلح له و اجمل عاقبة. فهكذا یجوز ان یكون فی كثیر من الاشیاء منافع لا یعرفها القائلون بالاهمال و لو عرفوا ذلك لم بقضوا علی الشی ء انه لا منفعة فیه من اجل انهم لا یعرفونه و لا یعلمون السبب فیه. فان كل



[ صفحه 262]



ما لا یعرفه المنكرون یعلمه العارفون، و كثیرا مما یقصر عنه علم المخلوقین محیط به علم الخالق جل قدسه و علت كلمته فاما ما یسیل من افواه الاطفال من الریق ففی ذلك خروج الرطوبة التی لو بقیت فی ابدانهم لا حدثت علیهم الامور العظیمة كمن تراه قد غلبت علیه الرطوبه فاخرجته الی حدالبله و الجنون و التخلیط، الی غیر ذلك من الامراض المتلفة كالفالج واللقوة و ما اشبههما. فجعل الله تلك الرطوبة تسیل من افواههم فی صغرهم لمالهم فی ذلك من الصحة فی كبرهم فتفضل علی خلقه بما جهلوه و نظر لهم بمالم یعرفوه و لو عرفوا نعمه علیهم لشغلهم ذلك من التمادی فی معصیته، فسبحانه ما اجل نعمته و اسبغها علی المستحقین و غیرهم من خلقه و تعالی عما یقول المبطلون علوا كبیرا، انظر الآن یا مفضل كیف جعلت آلات لجماع فی الذكر و الانثی جمیعا علی ما یشاكل ذلك علیه فجعل للذكر آلة ناشزة تمتد حتی تصل النطفه الی الرحم اذ كان محتاجا الی ان یقذف ماءه فی غیره و خلق للانثی وعاءا قعرا لیشتمل علی المائین جمیعا و یحتمل الولد و یتسع له و یصونه حتی یستحكم الیس ذلك من تدبیر حكیم لطیف سبانه و تعالی عما یشركون؟!

فكر یا مفضل فی اعضاء البدن اجمع، و تدبیر كل منها للارب فالیدان للعلاج، و الرجلان للسعی، و العینان للاهتداء، والفم للاغتذاء، و المعدة للهضم و الكبد للتخلیص، و المنافذ للتنفیذ الفضول، و الاوعیة لحملها، والفرج لاقامة النسل، و كذلك جمیع الاعضاء اذا ما تأملتها و اعملت فكرك فیها و نظرت وجدت كل شی ء منها قد قدر لشی ء علی صواب و حكمة.

قال المفضل فقلت یا مولای ان قوما یزعمون ان هذا من فعل الطبیعة فقال علیه السلام سلهم عن هذه الطبیعة اهی شی ء له علم و قدرة علی مثل هذه الافعال ام لیست كذلك فان اوجبوا لها العلم والقدرة فما یمنعهم من اثبات الخالق فان هذه صنعته. و ان زعموا انها تفعل هذه الافعال بغیر علم ولا عمد و كان فی افعالها ما قد تراه من الصواب و الحكمة علم ان هذا الفعل للخالق الحكیم فان الذی سموه طبیعة هو سنته فی خلقه الجاریة علی ما اجراها علیه.

فكر یا مفضل فی وصول الغذاء الی البدن و ما فیه من التدبیر فان الطعام یصیر الی المعدة فتطبخه و تبعث بصفوه الی الكبد فی عروق دقاق واشجعة بینهما قد جعلت كالمصفی للغذاء لكیلا یصل الی الكبد منه شی ء فینكأها و ذلك ان الكبد رقیقة لا تحتمل العنف ثم ان الكبد تقبله فیستحیل بلطف التدبیر دما و ینفذ، الی البدن كله فی مجاری مهیأة لذالك



[ صفحه 263]



بمنزلة المجاری التی تهیأ للماء لیطرد فی الارض كلها و ینفذ ما یخرج منه من الخبث والفضول الی مغایض قد اعدت لذلك، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جری الی المرارة، و ما كان من جنس السوداء جری الی الطحال، و ما كان من البلة والرطوبة جری الی المثانة فتأمل حكمة التدبیر فی تركیب البدن و وضع هذه الاعضاء منه مواضعها و اعداد هذه الاوعیة فیه لتحمل تلك الفضول لئلا تنتشر فی البدن فتسقمه و تنهكه فتبارك من احسن التقدیر واحكم التدبیر وله الحمد كما هو اهله و مستحقه!

قال المفضل فقلت: صف نشو الابدان و نموها حالا بعد حال حتی تبلغ التمام والكمال قال علیه السلام اول ذلك تصویر الجنین فی الرحم حیث لا تراه عین و لا تناله ید و یدبره حتی یخرج سویا مستوفیا جمیع ما فیه قوامه و صلاحه من الاحشاء و الجوارح والعوامل الی مالی تركیب اعضائه من العظام و اللحم و الشحم و العصب و المخ و العروق و الغظاریف فاذا خرج الی العالم تراه كیف ینمو بجمیع اعضائه و هو ثابت علی شكل و هیأة لا تتزاید و لا تنقص الی ان یبلغ اشده ان مدفی عمره او یستوفی مدته قبل ذلك هل هذا الامن لطیف التدبیر و الحكمة؟ یا مفضل انظر الی ما خص به الانسان فی خلقه تشریفا و تفضلا علی البهائم فانه خلق ینتصب قائما و یستوی جالسا لیستقبل الاشیاء بیدیه و جوارحه و یمكنه العلاج و العمل بهما فلو كان مكبوبا علی وجهه كذوات الاربع لما استطاع ان یعمل شیئا من الاعمال انظر الان یا مفضل الی هذه الحواس التی خص بها الانسان فی خلقه و شرف بها علی غیره كیف جعلت العینان فی الرأس كالمصابیح فوق المنارة لیتمكن من مطالعة الاشیاء و لم تجعل فی الاعضاء التی تحتهن كالیدین و الرجلین فتعترضها الافات و یصیبها من مباشرة العمل والحركة ما یعللها و یؤثر فیها و ینقص منها، و لا فی الاعضاء التن وسط البدن كالبطن و الظهر فیعسر تقلبها و اطلاعها نحو الاشیاء. فلما لم یكن لها فی شیی ء من هذه الاعضاء موضع كان الرأس اسنی المواضع للحواس و هو بمنزلة الصومعة لها. فجعل الحواس خمسا تلقی خمسا لكی لا یفوتها شی ء من المحسوسات. فخلق البصر لیدرك الالوان فلو كانت الالوان و لم یكن بصر یدركها لم تكن فیها منفعة، و خلق السمع لیدرك الاصوات فلو كانت الاصوات و لم یكن سمع یدركها لم یكن فیها ارب، و كذلك سائر الحواس ثم هذا یرجع متكافیا فلو كان بصر و لم تكن الالوان لما كان للبصر معنی ولو كان سمع و لم تكن اصوات لم یكن للسمع موضع فانظر كیف قدر بعضها یلقی بعضا فجعل لكل حاسة محسوسا یعمل فیه و لكل محسوس



[ صفحه 264]



حاسة تدركه، و مع هذا فقد جعلت اشیاء متوسطة بین الحواس و المحسوسات لا تتم الحواس الا بها كمثل الضیاء و الهواء فانه لو لم یكن ضیاء یظهر اللون المبصر لم یكن البصر یدرك اللون ولو لم یكن هواء یؤدی الصوت الی السمع لم یكن السمع یدرك الصوت فهل یخفی علی من صح نظره و اعمل فكره ان مثل هذا الذی وصفت من تهیأة الحواس و المحسوسات بعضها یلقی بعضا و تهیأة اشیاء اخربها تتم الحواس لا یكون الا عمل و تقدیر من لطیف خبیر.

فكر یا مفضل فیمن عدم البصر من الناس و ما یناله من الخلل فی اموره فانه لا یعرفه موضع قدمیه و لا یبصر ما بین یدیه فلا یفرق بین الالوان و بین المنظر الحسن و القبیح و لا یری حفرة ان هجم علیها و لا عدوا ان اهوی الیه بسیف و لا یكون له سبیل الی ان یعمل شیئا من هذه الصناعات مثل الكتابة والتجارة والصباغة. حتی انه لولا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر المقی و كذلك من عدم السمع یختل فی امور كثیرة فانه یفقد روح المخاطبة والمحاورة، و یعدم لذة الاصوات واللحون المشجیة المطربه، و تعظم المؤنة علی الناس فی محاورته حتی یتبرموا به و لا یسمع شیئا من اخبار الناس و احادیثهم، حتی یكون كالغائب و هو شاهدا و كالمیت و هو حی. فاما من عدم العقل فانه یلحق بمنزلة البهائم بل یجهل كثیرا مما تهتدی الیه البهائم افلا تری كیف صارت الجوارح والعقل و سائر الخلال التی بها صلاح الانسان والتی لوفقد منها شیئا لعظم ما یناله فی ذلك من الخلل یوافی خلقه علی التمام حتی لا یفقد شیئا منها فلم كان كذلك الا انه خلق بعلم و تقدیر.

قال المفضل فقلت فلم صار بعض الناس یفقد شیئا من هذه الجوارح فیناله من ذلك مثل ما وصفته یا مولای؟ قال علیه السلام: ذلك للتأدیب و الموعظة لمن یحل ذلك به و لغیره بسببه كما یؤدب الملوك الناس للتنكیل و الموعظة فلا ینكر ذلك علیهم بل یحمد من رأیهم و یتصوب من تدبیرهم ثم ان للذین تنزل بهم هذه البلایا من الثواب بعد الموت ان شكروا و انابوا ما یستصغرون معه ما ینالهم منها حتی انهم لو خیروا بعد الموت لاختاروا ان یردوا الی البلایا لیزدادوا من الثواب.

فكر یا مفضل فی الاعضاء التی خلقت افراد او ازواجا و ما فی ذلك من الحكمة والتقدیر و الصواب فی التدبیر، فالرأس مما خلق فردا و لم یكن للانسان صلاح فی ان یكون له اكثر من واحد. الا تری انه لاضیف الی رأس الانسان رأس آخر لكان ثقلا علیه من غیر



[ صفحه 265]



حاجة الیه لان الحواس التی یحتاج الیها مجتمعة فی رأس واحد ثم كان الانسان ینقسم قسمین لو كان له رأس فان تكلم من احدهما كان الاخر معطلا لا ارب فیه و لا حاجة الیه، و ان تكلم منها جمیعا بكلام واحد كان احدهما فضلالا یحتاج الیه و ان تكلم باحدهما بغیر الذی تكلم به من الآخر لم یدر السامع بای ذلك یأخذ و اشباه هذا من الاخلاط والیدان مما خلق ازواجا و لم یكن للانسان خیر فی ان یكون له ید واحدة لان ذلك كان یخل به فیما یحتاج صناعته و ان تكلف ذلك لم یحكمه و لم یبلغ منه ما یبلغه اذا كانت یداه تتعاونان علی العمل.

اطل الكفر یا مفضل فی الصوت والكلام و تهیأة آلاته فی الانسان. فالحنجرة كالانبوبة لخروج الصوت واللسان، والشفتان والاسنان لصیاغة الحروف والنغم. الا تری ان من سقطت اسنانه لم یقم السین و من سقطت شفته لم یصحح الفاء، و من ثقل لسانه لم یفصح الراء، و اشبه شیی ء بذلك المزمار الاعظم، فالحنجرة تشبه قصبة المزمار، والرئة تشبه الزق الذی ینفخ فیه لتدخل الریح، و العضلات التی تقبض علی الرئة لیخرج الصوت كالاصابع التی تقبض علی الزق حتی تجری الریح فی المزامیر والشفتان والاسنان التی تصوغ الصوت حروفا و نغما كالاصابع التی تختلف فی فم المزمار فتصوغ صفیره الحانا غیر انه و ان كان مخرج لاصوت یشبه المزمار بالدلالة والتعریف فان المزمار بالحقیقة هو المشبه بمخرج الصوت قد انبأتك بما فی الاعضاء من الغناء فی صنعة الكلام و اقامة الحروف و فیها مع الذی ذكرت لك مآرب اخری فالحنجرة لیسلك فیها هذا النسیم الی الرئة فتروح علی الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذی لو حبس شیئا یسیرا لهلك الانسان و باللسان تذاق الطعوم فیمیز بینها و یعرف كل واحد منها حلوها من مرها و حامضها من مزها و مالحها من عذبها و طیبها من خبیثها و فیه مع ذلك معونة علی اساغة الطعام و الشراب والاسنان لمضغ الطعام حتی یلین و تسهل اساغته و هی مع ذلك كالسند للشفتین تمسكها و تدعمها من داخل الفم و اعتبر ذلك فانك تری من سقطت اسنانه مسترخی الشفة و مضطربها و بالشفتین یترشف الشراب حتی یكون الذی یصل الی الجوف منه بقصد و قدر لایثج ثجافیغص به الشارب او ینكاء فی الجوف ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق علی الفم یفتحها الانسان اذا شاء و یطبقهما اذا شاء و فیما وصفنا من هذا بیان، ان كل واحد من هذه الاعضاء یتصرف و ینقسم الی وجوه من المنافع كما تتصرف الاداة الواحدة فی اعمال شتی و ذلك كالفاس تستعمل فی



[ صفحه 266]



النجارة والحفر و غیر هما من الاعمال ولو رأیت الدماغ اذا كشف عنه لرأیته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الاعراض و تمسكه فلا یضطرب و لرأیت علیه الجمجمة بمنزلة البیضة كیما تقیه هدا لصدمة والصكة التی ربما وقعت فی الرأس ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتی صارت بمنزلة الفر وللرأس یستره من شدة الحر والبرد فمن حصن الدماغ هذا التحصین الا الذی خلقه و جعله ینبوع الحس والمستحق للحیطة والصیانة بعلو منزلته من البدن و ارتفاع درجته و خطیر مرتبته. تأمل یا مفضل الجفن علی العین كیف جعل كالغشاء والاشفار كالا شراح و اولجها فی هذا الغار و اظلها بالحجاب و ما علیه من الشعر یا مفضل من غیب الفؤاد فی جوف الصدر و كساه المدرعة التی هی غشاؤه و حصنه بالجوانح و ما علیها من اللحم والعصب لئلا یصل الیه ما ینكأه. من جعل فی الحلق منفذین احدهما لمخرج الصوت و هو الحلقوم المتصل بالرئة والاخر منفذ للغذاء و هو المری المتصل بالمعدة الموصل الغذاء الیها و جعل علی الحلقوم طبقا یمنع الطعام ان یصل الی الرئة فیقتل؟ من جعل الرئة مروحة الفؤاد لا تفتر و لا تخل لكیلا تتحیز الحرارة فی الفؤاد فتؤدی الی التلف؟ من جعل لمنافذ البول و الغائط اشراجا تضبطهما لئلا یجریا جریانا دائما فیفسد علی الانسان عیشه فكم عسی ان یحصی المحصی من هذا بل الذی لا یحصی منه و لا یعلمه الناس اكثر؟ من جعل المعدة عصبانیة شدیدة و قدرها لهضم الطعام الغلیظ و من جعل الكبد رقیقة ناعمة لقبول الصفوا للطیف من الغذاء و لتهضم و تعمل ما هو الطف من عمل المعدة الا الله القادر اتری الاهمال یأتی بشی ء من ذلك؟ كلابل هو تدبیر مدبر حكیم قادر علیم بالاشیاء قبل خلقه اباها لا یعجزه شی ء و هو اللطیف الخبیر.

فكر یا مفضل لما صار المخ الرقیق محصنا فی انابیب العظام هل ذلك الالیحفظه و یصونه، لم صار الدم السائل محصورا فی العروق بمنزلة الماء فی الظروف الا لتضبطه فلا یفیض، لم صارت الاظفار علی اطراف الاصابع الاوقایة لها و معونة علی العمل، لم صار داخل الاذن ملتویا كهیأة اللولب الالیطرد فیه الصوت حتی ینتهی الی السمع و لیسكر حمة الریح فلا ینكأ فی السمع، لم حمل الانسان علی فخذیه والیتیه هذا اللحم الا لیقیه من الارض فلا یتألم من الجلوس علیا كما یألم من نحل جسمه و قل لحمه اذا لم یكن بینه و بین الارض حائل یقیه صلابتها؟ من جعل الانسان ذكرا و انثی الامن خلقه متناسلا، و من خلقه متناسلا الامن خلقه مؤملا و من اعطاه آلات العمل الا من خلفه عاملا و من خلقه عاملا الا من جعله محتاجا و من جعله محتاجا الامن ضربه بالحاجة و من ضربه بالحاجة الامن توكل بتقویمه؟ من خصه



[ صفحه 267]



بالفهم الامن اوجب الجزاء، من وهب له الحیلة الامن ملكه الحول و من ملكه الحول الا من الزمه الحجة، من بكفیه مالا تبلغه حیلته الا من ببلغ مدی شكره، فكر و تدبرما وصفته هل تجد الاهمال یأتی علی مثل هذا النظام والترتیب تبارك الله و تعالی عما یصفون. اصف لك الآن یا مفضل الفؤاد اعلم ان فیه ثقبا موجهة نحو الثقب التی فی الرئة تروح عن الفؤاد حتی لو اختلفت تلك الثقب و تزایل بعضها عن بعض لما وصل الروح الی الفؤاد و لهلك الانسان افیستجیز ذوفكرة و رؤیة ان یزعم ان مثل هذا یكون بالاهمال و لا یجد شاهدا من نفسه ینزعه عن هذا القول؟ لو رایت فردا من مصرا عین فیه كلوب اكنت تتوهم انه جعل كذلك بلا معنی بل كنت تعلم ضرورة انه مصنوع یلقی فردا اخر فیبرزه لیكون فی اجتماعهما ضرب من المصلحة و هكذا تجد الذكر من الحیوان كانه فرد من زوج مهیأ من فرد انثی فیلتقیان لما فیه من دوام النسل و بقائه فتبا و خیبة و تعسا لمنتحلی الفلسفة كیف عمیت قلوبهم عن هذه الخلقة العجیبة حتی انكروا التدبیر والعمد فیها. لو كان فرج الرجل مسترخیا كیف كان یصل الی قعر الرحم حتی یفرغ النطفة فیه و لو كان منعظا ابدا كیف كان الرجل یتقلب فی الفراش او یمشی بین الناس و شی ء شاخص امامه ثم یكون فی ذلك مع قبح المنظر تحریك الشهوة فی كل وقت من الرجال و النساء جمیعا فقدر الله جل اسمه ان یكون اكثر ذلك لا یبدو للبصر فی كل وقت و لا یكون علی الرجال منه مؤنة بل جعل فیه قوة الانتصاب وقت الحاجة الی ذلك لما قدر ان یكون فیه من دوام النسل و بقائه. اعتبر الآن یا مفضل بعظم النعمة علی الانسان فی مطعمه و مشربه و تسهیل خروج الاذی الیس من حسن التقدیر فی بناء الدار ان یكون الخلاء فی استر موضع منها فكذا جعل الله سبحانه المنفذ المهیأ للخلاء من الانسان فی استر موضع منه فلم یجعله بارزا من خلفه و لا ناشزا من بین یدیه بل هو مغیب فی موضع غامض من البدن مستور محجوب یلتقی علیه الفخذان و تحجبه الالیتان بما علمهما من اللحم فتواریانه فاذا احتاج الانسان الی الخلاء و جلس تلك الجلسة القی ذلك المنفذ منه منصبا مهیأ لانحدار الثقل فتبارك من تظاهرت آلاؤه و لا تحصی نعماؤه.

فكر یا مفضل فی هذا الطواحن التی جعلت للانسان فبعضها حداد لقطع الطعام و قرضه و بعضها عراض لمضغه ورضه فلم ینقص واحد من الصفتین اذ كان محتاجا الیهما جمیعا. تأمل و اعتبر بحسن التدبیر فی حلق الشعر والاظفار فانهما لما كانا مما یطول و یكثر حتی



[ صفحه 268]



یحتاج الی تخفیفه اولا فأولا جعلا عدیمی الحس لئلا یؤلم الانسان الاخذ منهما ولو كان قص الشعر و تقلیم الاظفار مما یوجد له الم وقع من ذلك بین مكروهین اما ان یدع كل واحد منهما حتی یطول فیثقل علیه و اما ان یخففه بوجع و الم یتألم منه.

قال المفضل فقلت فلم لم یجعل ذلك خلقة لا تزید فیحتاج الانسان الی النقصان منه فقال علیه السلام ان الله تبارك اسمه فی ذلك علی العبد نعما لا یعرفها فیحمده علیها اعلم ان آلام البدن و اداءه تخرج بخروج الشعر فی مسامه و بخروج الاظفار من اناملها و لذلك امر الانسان بالنورة و خلق الرأس وقص الاظفار فی كل اسبوع لیسرع الشعر والاظفار فی النبات فتخرج الالام والادواء بخروجهما و اذا طالا تحیرا وقل خروجهما فاحتبست الالام والادواء فی البدن فاحدثت عللا و اوجاعا و منع مع ذلك الشعر من المواضع التی تضر بالانسان و تحدث علیه الفساد والضر، لونبت الشعر فی العین الم یكن سیعمی البصر و لو نبت فی الفم الم یكن سینغص علی الانسان طعامه و شرابه، ولو نبت فی باطن الكف الم یكن سیعوقه عن صحة اللمس و بعض الاعمال، ولو نبت فی فرج المرأة او علی ذكر الرجل الم یكن سیفسد علیهما لذة الجماع فانظر كیف تنكب الشعر عن هذه المواضع لما فی ذلك من المصلحة ثم لیس هذا فی الانسان فقط بل تجده فی البهائم والسباع و سائر المتناسلات فانك تری اجسامها مجللة بالشعر و تری هذه المواضع خالیة منه لهذا السبب بعینه فتأمل الخلقة كیف تتحرز وجوه الخطأ والمضرة و تأتی بالصواب والمنفعة ان المنانیة و اشباههم حین اجتهدوا فی عیب الخلقة والعمد عابوا الشعر النابت علی الركب والابطین ولم یعلموا ان ذلك من رطوبة تنصب الی هذه المواضع فینبت فیها الشعر كما ینبت العشب فی مستنقع المیاه افلاتری الی هذه المواضع استروأ هیأ لقبول تلك الفضلة من غیرها ثم ان هذه تعد مما یحمل الانسان من مؤنة هذا البدن و تكالیفه لماله فی ذلك من المصلحة فان اهتمامه بتنظیف بدنه و اخذ ما یعلوه من الشعر مما یكسر به شرته و یكف عادیته و یشغله عن بعض ما یخرجه الیه الفراغ من الاشر والبطالة، تأمل الریق و ما فیه من المنفعة فانه جعل یجری جریانا دائما الی الفم لیبل الحلق اللهوات فلا یجف فان هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فیه هلاك الاسنان ثم كان لا یستطیع ان یسیغ طعاما اذا لم یكن فی الفم بلة تنفذه تشهد بذلك المشاهدة، و اعلم ان الرطوبة مطیة الغذاء و قد تجری من هذه البلة الی مواضع اخر من المرة فیكون فی ذلك صلاح تام للانسان ولو یبست المرة لهلك الانسان ولقد قال قوم من



[ صفحه 269]



جهلة المتكلمین وضعفة المتفلسفین بقلة التمییز و قصور العلم لو كان بطن الانسان كهیأة القباء یفتحه الطبیب اذا شاء فیعاین مافیه و یدخل یده فیعالج ما اراد علاجه الم یكن اصلح من ان یكون مصمتا محجوبا عن البصر والید لا یعرف ما فیه الابدلالات غامضة كمثل النظر الی البول وجس العرق و ما أشبه ذلك مما یكثر فیه الغلط والشبهة حتی ربما كان ذلك سببا للموت فلو علم هؤلاء الجهلة ان هذا لو كان هكذا كان اول مافیه ان كان یسقط عن الانسان الوجل من الامراض والموت و كان یستشعر البقاء و یغتر بالسلامة فیخرجه ذلك الی العتو والاشر ثم كانت الرطوبات التی فی البطن تترشح و تتحلب فیفسد علی الانسان مقعده و مرقده وثیاب بدلته و زینته بل كان یفسد علیه عیشه ثم ان المعدة والكبد والفؤاد انما تفعل افعالها بالحرارة الغریزیة التی جعلها الله محتبسة فی الجوف فلو كان فی البطن فرج ینفتح حتی یصل البصر الی رؤیته والید الی علاجه لوصل برد الهواء الی الجوف فمازج الحرارة الغریزیة و بطل عمل الاحشاء فكان فی ذلك هلاك الانسان افلاتری ان كلما تذهب الیه الاوهام سوی ما جاءت به الخلقة خطأ و خطل.

فكر یا مفضل فی الافعال التی جعلت فی الانسان من الطعم والنوم والجماع و مادبر فیها فانه جعل لكل واح منها فی الطباع نفسه محرك یقتضیه و یستحث به فالجوع یقتضی الطعم الذی فیه راحة البدن و قوامه والكری یقتضی النوم الذی فیه راحة البدن و اجمام قواه والشبق یقتضی الجماع الذی فیه دوام النسل و بقاؤه و لو كان الانسان انما یصیر الی اكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه الیه و لم یجد من طباعه شیئا یضطره الی ذلك كان خلیقا ان یتوانی عنه احیانا بالثقل والكسل حتی ینحل بدنه فیهلك كما یحتاج الواحد الی الدواء لشی ء مما یصلح به بدنه فیدافع به حتی یؤدیه ذلك الی المرض والموت و كذلك لو كان أنما یصیر الی النوم بالتفكر فی حاجته الی راحة البدن و اجمام قواه كان عسی ان یتثاقل عن ذلك فیدفعه حتی ینهك بدنه و لو كان انما یتحرك للجماع بالرغبة فی الولد كان غیر بعید ان یفتر عنه حتی یقل النسل او ینقطع فان من الناس من لا یرغب فی الولد و لا یحفل به فانظر كیف جعل لكل واحد من هذه الافعال التی بها قوام الانسان و صلاحه محرك من نفس الطبع یحركه لذلك و یحدوه علیه و اعلم ان فی الانسان قوی اربعا قوة جاذبة تقبل الغذاء و تورده علی المعدة و قوة ماسكة تحبس الطعام حتی تفعل فیه الطبیعة فعلها و قوة هاضمة و هی التی تطبخه و تستخرج صفوه و تبثه فی البدن و قوة دافعة تدفعه و تحدر الثفل



[ صفحه 270]



الفاضل بعد اخذ الهاضمة حاجتها ففكر فی تقدیر هذه القوی الاربع التی فی البدن و افعالها و تقدیرها للحاجة الیها والارب فیها و ما فی ذلك من التدبیر والحكمة فلولا الجاذبة كیف كان یتحرك الانسان لطلب الغداء الذی به قوام البدن و لولا الماسكة كان یلبث الطعام فی الجوف حتی تهضمه المعدة ولولا الهاضمة كیف كان ینطبخ حتی یخلص منه الصفو الذی یغذو البدن و یسد خلله و لولا الدافعة كیف كان الثفل الذی تخلفه الهاضمة یندفع و یخرج اولا فاولا افلا تری كیف وكل الله سبحانه بلطف صنعه و حسن تقدیره هذه القوی بالبدن والقیام بما فیه صلاحه و سأمثل لك فی ذلك مثالا ان البدن بمنزلة دار الملك له فیها حشم وصبیة و قوام موكلون بالدار فواحد لقضاء حوائج الحشم وایرادها علیهم و آخر لقبض ما یرد و خزنه الی یعالج و یهیأ و آخر لعلاج ذلك و تهیأته و تفریقه و آخر لتنظیف ما فی الدار من الاقذار و اخرجه منها فالملك فی هذا هو الخلاق الحكیم ملك العالمین والدار هی البدن والحشم هی الاعضاء والقوام هی هذه القوی الاربع و لعلك تری ذكرنا هذه القوی الاربع و افعالها بعد الذی وصفت فضلا و تزدادا و لیس ما ذكرته من هذه القوی علی الجهة التی ذكرت فی كتب الاطباء ولا قولنا فیه كقولهم لانهم ذكروها علی ما یحتاج الیه فی صناعة الطب و تصحیح الابدان و ذكرناها علی ما یحتاج فی صلاح الدین و شفاء النفوس من الغی كالذی اوضحته بالوصف الشافی والمثل المضروب من التدبیر والحكمة فیها تأمل یا مفضل هذه القوی التی فی النفس و موقعها من الانسان اعنی الفكر والوهم والعقل والحفظ و غیر ذلك افرأیت لو نقص الانسان من هذه الخلال الحفظ وحده، كیف كانت تكون حاله و كم من خلل كان یدخل علیه فی اموره و معاشه و تجاربه اذا لم یحفظ ماله و ما علیه و ما اخذه و ما اعطی و ما رای و ما سمع و ما قال و ما قیل له و لم یذكر من احسن الیه ممن اساء به و ما نفعه مماضره ثم كان لا یهتدی لطریق لو سلكه ما لا یحصی و لا یحفظ علما و لو درسه عمره و لا یعتقد دینا و لا ینتفع بتجربة و لا یستطیع ان یعتبر شیئا علی ما ماضی بل كان حقیقا ان ینسلخ من الانسانیة فانظر الی النعمة علی الانسان فی هذه الخلال و كیف موقع الواحدة منها دون الجمیع واعظم من النعمة علی الانسان فی الحفظ النعمة فی النسیان فانه لولا النسیان لماسلا احد عن مصیبة و لا أنقضت له حسرة و لامات له حقد و لا استمتع بشی ء من متاع الدنیا مع تذكر الافات و لا رجاء غفلة من سلطان و لا فترة من حاسد افلا تری كیف جعل فی الانسان الحفظ و النسیان و هما مختلفان متضادان و جعل له فی كل منهما ضرب من المصلحة و ما



[ صفحه 271]



عسی ان یقول الذین قسموا الاشیاء بین خالقین متضادین فی هذه الاشیاء المتضادة المباینة وقد تراها تجتمع علی ما فیه الصلاح والمنفعة.

انظر یا مفضل الی ما خص به الانسان دون جمیع الحیوان من هذا الخلق الجلیل قدره العظیم غناؤه اعنی احیاء فلولاه لم یقرضیف و لم یوف بالعداة و لم تقض الحوایج و لم یتحری الجمیل و لم ینتكب القبیح فی شی ء من الاشیاء حتی ان كثیرا من الامور المفترضة ایضا انما یفعل للحیاء فان من الناس من لولا الحیاء لم یرع حق والدیه و لم یصل ذارحم و لم یؤد امانة و لم یعف عن فاحشة افلا تری كیف و فی الانسان جمیع الخلال التی فیها صلاحه و تمام امره.

تأمل یا مفضل ما انعم الله تقدست اماؤه به علی الانسان من هذا المنطق الذی یعبر به عما فی ضمیره و ما یخطر بقلبه و ینتجه فكره و به یفهم عن غیره ما فی نفسه و لولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التی لا تخبر عن نفسها بشی ء و لا تفهم عن مخبر شیئا و كذلك الكتابة التی به تقید اخبار الماضین للباقین و اخبار الباقین للآتین و بها تخلد الكتب فی العلوم والادب و غیرها و بها یحفظ الانسان ذكر ما یجری بینه و بین غیره من المعاملات والحساب ولولاه لا نقطع اخبار بعض الازمنة عن بعض و اخبار الغائبین عن اوطانهم و درست العلوم و ضاعت الآداب و عظم ما یدخل علی الناس من الخلل فی امورهم و معاملاتهم و ما یحتاجون الی النظر فیه من امر دینهم و ما روی لهم مما لا یسعهم جهله و لعلك تظن انها مما یخلص الیه بالحیلة والفطنة و لیست مما اعطیه الانسان من خلقه و طباعه و كذلك الكلام انما هو شی ء یصطلح علیه الناس فیجری بینهم و لهذا صار یختلف فی الامم المختلفة بالألسن مختلفة و كذلك الكتابة لكتابة العربی و السریانی والعبرانی والرومی و غیرها من سائر الكتابة التی هی متفرقة فی الامم انما اصطلحوا علیها كما اصطلحوا علی الكلام فیقال لمن ادعی ذلك ان الانسان و ان كان له فی الامرین جمیعا فعل او حیلة فان الشی ء الذی یبلغ به ذلك الفعل والحیلة عطیه ی وهبة من الله عزوجل له فی خلقه فانه لولم یكن له لسان مهیأ للكلام و ذهن یهتدی به للامور لم یكن لیتكلم ابدا و لولم یكن له كف مهیأة و اصابع للكتابة لم یكن لیكتب ابدا و اعتبر ذلك من البهائم التی لا كلام لها و لا كتابة فاصل ذلك فطرة الباری جل و عز و ما تفضل به علی خلقه فمن شكر اثیب و من كفر فان الله غنی عن العالمین.



[ صفحه 272]



یا مفضل فكر فیما اعطی الانسان علمه و ما منع فانه اعطی جمیع علم ما فیه صلاح دینه و دنیاه فمما فیه صلاح دینه معرفة الخالق تبارك و تعالی بالدلائل والشواهد القائمة فی الخلق و معرفة الواجب علیه من العدل علی الناس كافة و بر الوالدین و اداء الامانة و مواساة اهل الخلة و اشباه ذلك مما قد توجد معرفته والاقرار والاعتراف به فی الطبع والفطرة من كل امة موافقة او مخالفة و كذلك اعطی علم ما فیه صلاح دنیاه كالزراعة والغراس و استخراج الارضین و اقتناء الاغنام والانعام و استنباط المیاه و معرفة العقاقیر التی یستشفی بها من ضروب الاسقام والمعادن التی یستخرج منها انواع الجواهر و ركوب السفن والغوص فی البحر و ضروب الحیل فی صید الوحش والطیر والحیتان والتصرف فی الصناعات و وجوه المتاجر والمكاسب و غیر ذلك مما یطول شرحه و یكثر تعداده مما فیه صلاح امره فی هذه الدار فاعطی علم ما یصلح به دینه و دنیاه و منع ما سوی ذلك مما لیس فی شأنه و لا طاقته ان یعلم كعلم الغیب و ما هو كائن و بعض ماقد كان ایضا كعلم ما فوق السماء و ما تحت الارض و ما فی لجج البحار واقطار العالم و ما فی قلوب الناس و ما فی الارحام و اشباه هذا مما حجب علی الناس علمه و قد ادعت طائفة من الناس هذه الامور فابطل دعواهم ما یبین من خطأهم فیما یقضون علیه و یحكمون به فیما ادعوا علمه فانظر كیف اعطی الانسان علم جمیع ما یحتاج الیه لدینه و دنیاه و حجب عنه ماسوی ذلك لیعرف قدره و نقصه و كلا الامرین فیها صلاحه.

تأمل الان یا مفضل ماستر عن الانسان علمه من مدة حیاته فانه لو عرف مقدار عمره و كان قصیر العمر لم یتهنأ بالعیش مع ترقب الموت و توقعه لوقت قد عرفه بل كان یكون بمنزلة من قد فنی ماله اوقارب الفناء فقد استشعر الفقر والوجل من فناء ماله و خوف الفقر علی ان الذی یدخل علی الانسان من فناء العمر اعظم مما یدخل علیه من فناء المال لان من یقل ماله یأمل ان یستخلف منه فیسكن الی ذلك و من ایقن بفناء العمر استحكم علیه الیأس و ان كان طوبل العمر ثم عرف ذلك وثق بالبقاء و انهمك فی اللذات والمعاصی و عمل علی انه یبلغ من ذلك شهوته ثم یتوب فی آخر عمره و هذا مذهب لا یرضاه الله من عباده و لا یقبله الا تری لوان عبدا لك عمل علی انه یسخطك سنة و یرضیك یوما او شهرا لم تقبل ذلك منه و لم یحل عندك محل العبد الصالح دون ان یضمر طاعتك و نصحك فی كل الامور و فی كل الاوقات علی تصرف الحالات فان قلت او لیس قد یقیم الانسان علی المعصیة حینا ثم یتوب



[ صفحه 273]



فتقبل توبته قلنا ان ذلك شی ء یكون من الانسان لغلبة الشهوات له و تركه مخالفتها من غیران یقدرها فی نفسه و یبنی علیه امره فیصفح الله عنه و یتفضل علیه بالمغفرة فاما من قدر امره علی ان یعصی ما بداله ثم یتوب أخر ذلك فانما یحاول خدیعة من لا یخادع بان یتسلف التلذذ فی العاجل و یعد و یمنی نفسه التوبة فی الاجل و لانه لا یفی بما یعد من ذلك فان النزوع من الترفه والتلذذ و معانات التوبة ولاسیا عندالكبر و ضعف البدن امر صعب و لا یؤمن علی الانسان مع مدافعته بالتوبة ان یرهقه الموت فیخرج من الدنیا غیر تائب كما قد یكون علی الواحد دین الی اجل و قد یقدر علی قضائه فلا یزال یدافع بذلك حتی یحل الاجل و قد نفذ المال فیبقی الدین قائما علیه فكان خیر الاشیاء للانسان ان یستر عنه مبلغ عمره فیكون طول عمره یترقب الموت فیترك المعاصی و یؤثر العمل الصالح فان قلت و ها هو الآن قد ستر عنه مقدار حیاته و صار یترقب الموت فی كل ساعة یفارق الفواحش و ینتهك المحارم قلنا ان وجه التدبیر فی هذا الباب هو الذی جری علیه الامر فیه فان كان الانسان مع ذلك لا یرعوی و لا ینصرف عن المساوی فانما ذلك من مرحه و من قساوة قلبه لامن خطأ فی التدبیر كما ان الطبیب قد یصف للمریض ما ینتفع به فان كان المریض مخالفا لقول الطبیب لا یعمل بما یأمره و لا ینتهی عما ینهاه عنه لم ینتفع بصفته و لم تكن الاسائة فی ذلك للطبیب بل للمریض حیث لم یقبل منه و لئن كان الانسان مع ترقبه للموت كل ساعة لا یمتنع عن المعاصی فانه لوثق بطول البقاء كان احری بان یخرج الی الكبایر الفظیعة فترقب الموت علی كل حال خیر له من الثقة بالبقاء ثم ان ترقب الموت و ان كان صنف من الناس یلهون عنه و لا یتعظون به فقد یتعظ به صنف آخر منهم و ینزعون عن المعاصی و یؤثرون العمل الصالح و یجودون بالاموال و العقائل النفیسة فی الصدقة علی الفقراء المساكین فلم یكن من العدل ان یحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة التضیع اولئك حظهم منها فكر یا مفضل فی الاحلام كیف دبر الامر فیها فمزج صادقها بكاذبها فانها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم انبیاء و لو كانت كلها تكذب لم یكن فیها منفعة بل كانت فضلالا معنی له فصارت تصدق احیانا فینتفع بها الناس فی مصلحة یهتدی لها او مضرة یتحذر منها و تكذب كثیرا لئلا یعتمد علیها كل الاعتماد. فكر یا مفضل فی هذه الاشیاء التی تراها موجودة معدة فی العالم من مآربهم فالتراب للبناء و الحدید للصناعات والخشب للسفن و غیرها والحجارة للارحاء و غیرها والنحاس للاوانی والذهب والفضة للمعاملة والذخیرة الحبوب



[ صفحه 274]



للغذاء والثمار للتفكه واللحم للمأكل والطیب للتلذذ والادویة لتصحح والدواب للحمولة والحطب للتوقد والرماد للكلس والرمل للارض و كم عسی ان یحصی المحصی من هذا و شبهه ارأیت لوان داخلا دخل دارا فنظر الی خزائن مملوة من كل ما یحتاج الیه الناس و رأی كلما فیها مجموعا معد الاسباب معروفة أكان یتوهم ان مثل هذا یكون بالاهمال و من غیر عمد فكیف یستجیز قائل ان یقول هذا من صنع الطبیعة فی العالم و ما اعد فیه من هذه الاشیاء.

اعتبر یا مفضل باشیاء خلقت لمآرب الانسان و ما فیها من التدبیر فانه خلق له الحب لطعامه و كلف طحنه و عجنه و خبزه و خلق له الوبر لكسوته فكلف ندفه و غزله و نسجه و خلق له الشجر فكلف غرسها و سقیها والقیام علیها و خلقت له القعاقیر لادیته فكلف لقطها و خلطها و صنعها و كذالك تجد سائر الاشیاء علی هذا المثال فانظر كیف كفی الخلقة التی لم یكن عنده فیها حیلة و ترك علیه فی كل شی ء من الاشیاء موضع عمل و حركة لماله فی ذلك من الصلاح لانه لو كفی هذا كله حتی لا یكون له فی الاشیاء موضع شغل و عمل لما حملته الارض اشرا و بطرا و لبلغ به ذلك الی ان یتعاطی امورا فیها تلف نفسه و لو كفی الناس كلما یحتاجون الیه لما تهنأوا بالعیش و لا وجدوا له لذة الا نری لوان امر أنزل بقوم فاقام حینا بلغ جمیع ما یحتاج الیه من مطعم و مشرب و خدمة لتبرم بالفراغ و نازعته نفسه الی التشاغل بشی ء فكیف لو كان طول عمره مكفیا لا یحتاج الی شی ء فكان من صواب التدبیر فی هذه الاشیاء التی خلقت للانسان ان جعل له فیها موضع شغل لكیلا تبرمه البطالة و لتكفه عن تعاطی مالایناله و لا خیر فیه ان ناله و اعلم یا مفضل ان رأس معاش الانسان و حیاته الخبز والماء فانظر كیف دبر الامر فیهما فان حاجة الانسان الی الماء اشد من حاجته الی الخبر و ذلك ان صبره علی الجوع اكثر من صبره علی العطش والذی یحتاج الیه من الماء اكثر مما یحتاج الیه من الخبز لانه یحتاج الیه لشربه و وضوءه و غسله و غسل ثیابه و سقی انعامه و زرعه فجعل الماء مبذولا لا یشتری لتسقط عن الانسان المؤنة فی طلبه و تكلفه و جعل الخز متعذرا لا ینال الابالحیلة والحركة لیكون للانسان فی شغل یكفه عما یخرجه الیه الفراغ من الاشر والعبث الاتری ان الصبی یدفع الی المؤدب و طوطفل لم تكمل ذاته للتعلیم كل ذلك لیشتغل عن اللعب والعبث اللذین ربما جنیا علیه و علی اهله المكروه العظیم و هكذا الانسان لوخلا من الشغل لخرج من الاشر والعبث والبطر الی ما یعظم ضرره علیه و علی من



[ صفحه 275]



قرب منه و اعتبر ذلك بمن نشأ فی الجدة و رفاهیة العیش والترفه والكفایة و ما یخرجه ذلك الیه اعتبر لم لا یتشابه الناس واحد بالاخر كما تتشابه الوحوش والطیر و غیر ذلك فانك تری السرب من الظباء والقطا تتشابه حتی لا یفرق بین واحد منها و بین الاخری و تری الناس مختلفة صورهم و خلقهم حتی لا یكاد اثنان منهم یجتمعان فی صفة واحدة والعلة فی ذلك ان الناس محتاجون الی ان یتعارفوا باعیانهم و حلاهم لما یجری بینهم من المعاملات و لیس یجری بین البهائم مثل ذلك فیحتاج الی معرفة كل واحد منها بعینه و حلیته الا تری ان التشابه فی الطیر والوحش لا یضرها شیئا و لیس كذلك الانسان فانه ربما تشابه التوأمان تشابها شدیدا فتعظم المؤنة علی الناس فی معاملتهما حتی یعطی احدهما بالاخر و یؤخذ بذنب احدهما الاخر و قد یحدث مثل هذا فی تشابه الاشیاء فضلا عن تشابه الصور فمن لطف بعباده بهذه الدقائق التی لا تكاد تخطر بالبال حتی وقف بها علی الصواب الامن وسعت رحمته كل شی ء لو رأیت تمثال الانسان مصورا علی حائط و قال لك قائل ان هذا ظهر هنا من تلقاء نفسه لم یصنعه صانع اكنت تقبل ذلك بل كنت تستهزی ء به فكیف تنكر هذا فی تمثال مصور جماد الی غایة من النمو ثم تقف و لا تتجاوزها لولا التدبیر فی ذلك فان تدبیر الحكیم فیها ان تكون ابدان كل صنف منها علی مقدار معلوم غیر متفاوت فی الكبیر والصغیر و صارت تنمی حتی تصل الی غابتها ثم تقف ثم لا تزید والغذاء مع ذلك دائم لا ینقطع و لو تنمی نموا دائما لعظمت ابدانها و اشتبهت مقادیرها حتی لا یكون لشی ء منها حد یعرف. لم صارت اجسام الانس خاصة تثقل عن الحركة والمشی و تجفو عن الصناعات اللطیفة الالتعظیم المؤنة فیما یحتاج الیه اللناس للملبس والمضجع والتكفین و غیر ذلك لو كان الانسان لم یصیبه الم و لا وجع بم كان یرتدع عن الفواحش و بتواضع لله و یتعطف علی الناس اما تری الانسان اذا عرض له وجع خضع و استكان و رغب الی ربه فی العافیة و بسط یده بالصدقة و لو كان لا یألم من الضرب بم كان السلطان بعاقب الذعار و یذل العصاة المردة و بم كان الصبیان یتعلمون العلوم والصناعات و بما كان العبید یذلون لاربابهم و یذعنون لطاعتهم افلیس هذا توبیخ لابن ابی العوجاء و ذویه الذین جحدوا التدبیر (والمانویة) الذین انكروا الوجع والالم و لو لم یولد من الحیوان الا ذكر فقط او انثی فقط الم یكن النسل منقطعا و بادمع اجناس الحیوان فصار بعض الاولاد تأتی ذكورا و بعضها یأنی اناثا لیدوم التناسل و لا ینقطع لم صار الرجل والمرأة اذا ادركا



[ صفحه 276]



تنبت لهما العانة ثم تنبت اللحیة للرجل و تخلفت عن الامرأة لولا التدبیر فی ذلك فانه لما جعل الله تبارك و تعالی الرجل قیما و رقیبا علی المرأة و جعل المرأة عرسا و خولا للرجل اعطی الرجل اللحیة لماله من العز والجلالة والجلالة والهیبة و منعها المرأة لتبقی لها نظارة الوجه والبهجة التی تشاكل المفاكهة والمضاجعة افلا تری الخلقة كیف تأتی بالصواب فی الاشیاء و تتخلل مواضع الخطأ فتعطی و تمنع علی قدر الارب والمصلحة بتدبیر الحكیم عزوجل.

قال المفضل ثم حان وقت الزوال فقام مولای الی الصلاة و قال بكر الی غدا انشاء الله تعالی فانصرفت من عنده مسرورا بما عرفته مبتهجا بما اوتیته حامدا لله تعالی عزوجل علی ما انعم به علی شاكرا لانعمه علی ما منحنی بما عرفنیه مولای و تفضل به علی فبت فی لیلتی مسرورا بما منحنیه محبورا بما علمنیه.